مقالات

دكتور محمد بني هاني يكتب العالم جسد واحد!

منذ فترة طويلة وأنا مهتم بفكرة التفكير النظمي وأتحدث بها لطلابي وهي ادراك الانسان ان الكون وحدة واحدة كبيرة مترابطة الأجزاء بشكل عضوي وأكثر مما نعتقد لدرجة إذا ما تداعى عضو شعر به الآخر. إذا مرضت الصين أو امريكا أو إيطاليا أو نيجيريا أو الاردن أو مصر كلنا نمرض!

وباء الكورونا درس تطبيقي وعملي يشرح وبدقة متناهية المقصود بالتفكير نُظمياً بوحدة الكون. على سبيل المثال جسم الإنسان يجسد فكرة الترابط والتكامل بين مجموعة من الأنظمة والتي لا يستطيع الإنسان ان يعيش دون جزئية بسيطة منها وينهار الجسم عندما يتألم احد الأجزاء. العائلة والمؤسسة والمدرسة والجامعة والحكومة كلها أمثلة على أنظمة جزئية مرتبطة ببعضها بشكل وثيق.

ولكن أفضل هذه الأمثلة هو النظام البيئي (Ecosystem) حيث ان كل شيء في هذا الكون له حاجة وضرورة ودور ووجوده يخدم غيره ويعتمد على غيره. لذلك عندما لوثنا الجو على سبيل المثال ادى ذلك الى ثقب في طبقة الأوزون يتسع باستمرار مما ادى الى ارتفاع درجة الحرارة والتي أدت الى الحرائق، او في وقت ومكان آخر زادت الأمطار وجرفت في طريقها التربة والبشر. بل كثير من الأمراض هي نتيجة لابتزازنا المستمر للبيئة والدول المتقدمة هي الأسوأ في هذا الأمر. وهذه الحقيقة لم تلفت انتباهنا الى حاجتنا الى السلوك الحضاري لكي نحافظ على البيئة وعلى المنظومة الكونية.

ثم جاءت الكورونا! جاء هذا الوباء يذكرنا بتنمرنا على بعضنا البعض وعلى ابتزاز خيرات الكون بعدد قليل من الناس لا يتجاوز 1% وعدم الاعتراف في ترابطنا وتواصلنا العضوي! عدم التوازن المنطقي أو شبه المنطقي اصبح السائد والعادي والمقبول بالرغم من انه لا يتوافق أو يتكامل مع الطبيعة الكونية.

هل يعقل وبالرغم من كمية الأموال الهائلة في العالم تعاني الاغلبية العظمى من البشر من الفقر، عدم وجود مأوى مناسب أو طعام صحي؟ هل يعقل والعالم “المتقدم” يبحث عن علاج للكورونا لا يدخل المختبر باحث واحد من العالم العربي وربما الإسلامي أو من أي دولة نامية ( الا إذا كان مقيما هناك)؟ كيف تم ابعاد وتهميش كل هؤلاء الناس؟

هذا الخلل لا يجوز لانه ينافي منطق التكامل ويخل بالتوازن الكوني الذي خلقه الله سبحانه وتعالى بهذا الشكل للجميع. لأول مرة نفهم وبشكل قسري ان ما يعانيه الانسان في الصين او إيطاليا او امريكا له اثر بالغ علينا أينما كنا في العالم، في احدى قرى الاردن أو حتى احدى حاراتها.

العالم المتقدم بحاجة لان يدرك هذه البديهية اكثر منا في الدول النامية. وهذه الفكرة سادت الكون منذ الأزل ولكننا تجنبناها بسبب جهلنا وطمعنا. هذا المرض الكورونا يعمق في اذهاننا الحاجة الماسة للعودة الى إنسانيتنا والتي تتضمن تفكيرنا النظمي المستمر والعميق بان الكون وحدة واحدة لا تتجزأ. هل يتعلمون ونتعلم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock