مقالات

محمد منير غازي| يكتب: البيانات الضخمة ومستقبل التصنيف في التعليم العالي

محمد منير غازي-  الباحث في مجال المناهج وطرق التدريس

 

الناس لديهم ميل طبيعي لترتيب وإنشاء قوائم، فهذا يساعدنا على تنظيم حياتنا وتحديد الأولويات، وفي مجال التعليم العالي أصبحت التصنيفات العالمية للجامعات واقعاً متزايد التعقيد والتطور، ترجع بداية إلى اوائل القرن العشرين بعد صدور دراسة بريطانية بعنوان (Where we get our best men)؟ ، حيث استهدفت الدراسة عرض الجامعات التي درس بها أبرز الشخصيات في بريطانيا في ذلك الوقت، ورتبت الجامعات بحسب عدد الخريجين من الشخصيات البارزة.

وقد نشرت رابطة الجامعات الأوروبية (EUA) تقريراً أكدت فيه أن 60% من الجامعات تستخدم التصنيفات العالمية كجزء من استراتيجياتها المؤسسية، في حين يستخدم 75% من الجامعات – موضع الدراسة – التصنيفات في إنتاج المواد التسويقية وزيادة الاتصالات، ومع تزايد إمكانية الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت يتوقع أن تواصل الجامعات استخدام البيانات من التصنيفات لإقامة مقارنات مع المؤسسات المنافسة، وكذلك للحفاظ على سمعتها العالمية وزيادة تأثيرها.

وتعتمد التصنيفات العالمية للجامعات على منهجيات مختلفة لتقييم، فمنها ما يصنف الجامعات من خلال مقارنتها مع مثيلاتها عالمياً مثل تصنيف شنجهاي العالمي (ARWU)، فيما تعتمد تصنيفات أخرى على عدد من المعايير تنقسم إلى تصنيفات، وتنقسم هذه التصنيفات إلى مؤشرات لها أوزان نسبية، فعلى سبيل المثال يشمل تصنيف (THE) البريطاني على خمسة تصنيفات أساسية تشمل التعليم، والبحث، والاستشهادات، والنظرة الدولية، ودخل الصناعة، بينما تعتمد تصنيفات أخرى على مؤشرات وأوزان نسبية لها مثل تصنيف QS العالمي الذي يشمل السمعة الأكاديمية، وسمعة المشغل، ونسبة الطلاب لأعضاء هيئة التدريس، وعدد الاستشهادات ضمن الإطار الأكاديمي، ونسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب، ونسبة الطلاب الدوليين.

ولتوقع مستقبل تصنيف الجامعات يجب فهم الاتجاهات الحالية والأخذ بالتطورات التكنولوجية في عين الاعتبار، ففي ظل المنافسة العالمية المطردة في مجال التعليم العالي، أصبح لازماً على الجامعات توفير كافة البيانات المطلوبة لمختلف التصنيفات العالمية لضمان وجودها ضمن التصنيفات الرائدة عالمياً، ومع وجود أكثر من عشرين تصنيفاً جامعياً عالمياً متعرفاً به ـ وهو رقم مستمر في النمو ـ فكيف يمكن للجامعات أن توفر كل هذا الكم من المعلومات بدورية ربع سنوية لتتوافق مع هذا التوسع المطرد في المقاييس والتصنيفات؟

أصبحت المهمة معقدة على الجامعات ويتزايد مستوي التعقيد بمرور الوقت بسبب التزايد المطرد للتصنيفات بمنهجياتها المختلفة، لذا يتوقع أن تتجه الجامعات لتبسيط المهمة على نفسها من خلال إسناد هذا الأمر لأطراف أخرى أو مؤسسات الطرف الثالث (Third-Party) متخصصة في جمع وتحليل البيانات الضخمة Big Data بهدف توفير الوقت والموارد وتقليل حاجة الجامعات لتقديم بياناتها إلى منظمات متعددة (تصنيفات) ، في حين يذهب ممثلي التصنيفات الجامعية العالمية الرئيسية إلى هذه المؤسسات لاستخراج بيانات موضوعية ودقيقة جاهزة للتحليل والمقارنة كلاً وفق منهجيته الخاصة.

وعلى الرغم الصعوبات التي تواجهها الجامعات، تعمل العديد من الجهات الدولية على ابتكار تصنيفات جديدة للجامعات أكثر تعقيداً وشمولاً ، فعلى سبيل المثال قام الاتحاد الاوروبي بتمويل عدد من الجامعات لإنشاء تصنيف جديد باسم     (U-Multirank) بهدف الانتقال إلى مستوي جديد من تصنيفات الجامعات يسمح للطلاب بإنشاء تصنيفات فردية خاصة بهم وفقاً لمجالات اهتماماتهم الدراسية في الجامعات من خلال خريطة تفاعلية يتم إمدادها بالبيانات المحدثة دورياً، فيما قامت روسيا بإنشاء تصنيف جديد باسم المهمة الثالثة (Third Mission) ليعطي أهمية أكبر لقياس التأثير الاجتماعي للجامعات في التصنيفات والأخبار والتقارير على غرار تقييمات الخدمات والمواقع السياحية Review، حيث يعمل التصنيف على تطوير تقنية معالجة اللغات الطبيعية (NLP)، ليكون تحليل النص المفتوح ممكنناً باستخدام أدوات الذكاء الصناعي AI بما يسمح بالتقاط وجمع البيانات بشكل أسرع، ويعمل على تحليل ردود أصحاب المصلحة من الأكاديميين والعاملين والطلاب والأفراد والجهات ذات الصلة بالجامعات.

مما لا شك فيه أن التصنيف العالمي للجامعات أصبح واقعاً متزايد التأثير والتعقيد في ظل تزايد الاهتمام العالمي والتطور التكنولوجي الهائل لجمع وتحليل البيانات الضخمة واستخدام الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تساعد الابتكارات الحالية والمستقبلية في التصنيفات الجامعية على دفع صناعة التعليم العالي ذاتها للتطور بشكل غير مسبوق.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق