سيما
أخر الأخبار

بارونة أوزبكستان “الشريرة” جلنار كريموفا: ثمن الحرية مليارا دولار!

بارونة أوزبكستان "الشريرة" جلنار كريموفا: ثمن الحرية مليارا دولار!

لفترة طويلة ساد الغموض مصير جلنار كريموفا ابنة ديكتاتور أوزبكستان الراحل إسلام كريموف، الذي اضطر إلى وضعها تحت الإقامة الجبرية عام 2014 بعد اتهامات دولية، بارتكابها جرائم عدة، منها قضية فساد كبرى في السويد، وعمليات غسيل أموال في سويسرا، قدرتها السلطات الأمنية بنحو 823 مليون دولار، إضافة إلى الاتجار بالبشر وبخاصة النساء.

كانت شركة (روز) وشركة (ريفي) التي تمتلكهما على جلب نساء من أوزبكستان للعمل في دول الخليج، ثم تحوّلهن إلى الدعارة. وكان مكتب التحقيقات الأميركي (أف بي أي)، أصدر مذكرة توقيف بحقها بسبب دعوى رفعها ضدها زوجها السابق الأميركي من أصول أفغانية منصور مقصودي، متهماً إياها بخطف أطفالهما سراً من الولايات المتحدة، وترحيلهما إلى أوزبكستان. وتسعى واشنطن أيضاً إلى استرجاع نحو مليار دولار، تقول إن جلنار حققتها من عمليات فساد مع شركات اتصالات عالمية. وإلى جانب الأحداث التي رافقت اختفاءها بعد موت والدها إثر جلطة قلبية، ازدادت الأمور ضبابية، إثر تغيبها عن مراسم تشييعه، في مدينة سمرقند في الثالث من أيلول/ سبتمبر عام 2016، إضافة إلى نشر بعض وسائل الإعلام الأجنبية خبراً عن قتلها بسم مندس في السجن. وكان ابن جلنار إسلام، الذي يدرس في جامعة أكسفورد، صرح لصحيفة “الغارديان” البريطانية عام 2014 بأنه “يخشى على حياة والدته”، وكشف عن وجود “عداء من أسرته الأولى”، متحدثاً عن منعه هو ووالدته من زيارة جده الرئيس لفترة طويلة. وكانت صحيفة The Times البريطانية، نشرت نداء سرياً وجهته جلنار إلى إذاعة “بي بي سي”، قالت فيه “إنهم يعاملونها وابنتها المراهقة إيمان “أسوأ من الكلاب”، في البيت الذي أقامتا فيه 9 أشهر، تحت الحراسة المشددة، وهي تحتاج الى مساعدة طبية عاجلة”.

السجن والحكم المخفف

بعد سنوات من الكتمان والسرية حول مصيرها، أزاحت دائرة المدعي العام الاوزبكي الستار الحديدي الذي كانت فرضته على هذه القضية، بإعلانها في بيان رسمي أن ابنة الرئيس السابق جلنار ما زالت حية، وأنها مثلت أمام محكمة خاصة في كانون الأول/ ديسمبر عام 2017، قضت بسجنها لمدة 10 سنوات، تم تخفيضها في الأول من تموز/ يوليو عام 2018 لفترة 5 سنوات تقضيها في بيت ابنتها ايمان، بعد تعهدها بتسليم مئات ملايين الدولارات التي كانت كسبتها بطرائق غير قانونية وبأساليب إجرامية إلى خزينة الدولة الاوزبكية. إلا أن الابنة (المنبوذة) لم تف بوعدها، على رغم مضي فترة طويلة على إخراجها من السجن، ما اضطر السلطات إلى إصدار أمر بإعادة احتجازها، إذ ذكرت ابنتها في الخامس من آذار/ مارس الماضي على حسابها في “إنستغرام” أن محققين من دائرة الادعاء العام نقلوها من البيت الذي تقيم فيه معها إلى جهة مجهولة، وأكد محاميها الخبر في تغريدة على “تويتر”.

من هي جلنار كريموفا التي أذهلت العالم؟

جلنار هي البنت البكر للرئيس كريموف ولدت في 8 تموز عام 1972، وكانت حتى انفجار غضب والدها عليها وقراره بوضعها تحت الاقامة الجبرية، تعتبر خليفته المحتملة. اشتهرت جلنار بلقب “أميرة أوزبكستان”، ووصفتها وكالة “أسوشييتد برس” عام 2011 بأنها “الملكة الساحرة، والديبلوماسية الدولية، وسارقة الفقراء”، وقالت عنها شقيقتها الصغرى ومنافستها لولا، التي تقيم في باريس حيث تعمل مندوبة لبلادها في اليونيسكو، إنها “سيئة وقاسية وصعبة المراس”، ووصفتها بـ”السندريلا المنبوذة”. أما السفير البريطاني الأسبق كريغ موراي، فقال عنها في مقابلة صحافية معه، إنها “قوية وجميلة، لكنها شريرة أيضاً”، وأضاف أنها “أكثر ثراء من باريس هيلتون، ولا يمكن إنكار أنها أكثر ذكاء، ويمكن القول إنها أكثر إثارة”. وبحسب موسوعة “ويكيبيديا” هي “سيدة أعمال، ومصممة أزياء، ومغنية وديبلوماسية”.

تخرجت جلنار من كلية الاقتصاد في جامعة “طشقند” عام 1966، ثم حصلت على ماجستير في الآداب والدراسات الإقليمية، من جامعة هارفارد، ونالت الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة الاقتصاد الدولي والديبلوماسية في طشقند، وحصلت على إجازة في تكنولوجيا المعلومات. وأنهت دورة دراسية في تصميم المجوهرات في نيويورك. وعملت مندوبة دائمة لبلادها لدى الامم المتحدة، وسفيرة فوق العادة في إسبانيا. في برقية للسفارة الأميركية في أوزبكستان عام 2005، نشرها موقع “ويكيليكس”، وصفتها بأنها “الشخصية الأكثر كرهاً وبغضاً من قبل المجتمع”، وأنها امراة “جشعة ومتعطشة للسلطة”، وتحدثت عن مواجهتها اتهامات باستغلال نفوذ والدها وقوته في الحكم، لتحقيق منافع خاصة ومكاسب كبيرة من المال العام. وتحدثت إذاعة «بي بي سي» عن ثروة جلنار التي تقدر بالمليارات، وأشارت إلى أنها تمتلك فنادق في دبي تقدر قيمتها بنحو 67.4 مليون دولار، إضافة إلى عقارات في لندن ثمنها 30 مليون دولار، ومنزل في هونغ كونغ، في أحد المجمعات السكنية، الذي قد يكون الأغلى في قارة آسيا، وفيلا في ضاحية روبليوفكا الخلابة على أطراف موسكو ومئات غيرها في دول مختلفة.

تتهم النيابة العامة في أوزبكستان جلنار بالاستحواذ على قرابة ملياري دولار أميركي، من خلال صفقات مشبوهة استخدمت فيها نفوذها وسلطة والدها الذي حكم البلاد منذ عام 1989 حتى وفاته عام 2016. وكشف بيان النيابة العامة، أن القضية الجنائية بحق «البارونة اللصة» بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بتهمة التهرب من دفع الضرائب، والمشاركة في مجموعة إجرامية منظمة. وقال إن فريق التحقيق اكتشف أصولاً مالية إضافية، تابعة لتلك الجماعة الإجرامية التي ترتبط بها «جلنار» في 12 دولة، بينها روسيا. وقال جون كولومبو الذي أنتج واحداً من أشرطة الفيديو الخاصة بها “لقد امتلكت كريموفا الدولة، فهي في كل مكان”.

الصراع على الكرسي الساحر

امتلكت جلنار امبرطورية ضخمة من محطات التلفزيون والإذاعات، ومتاجر فاخرة ومحلات مجوهرات ومؤسسات خيرية، من أهمها “منتدى الصندوق”، الذي كانت تشرف عليه وتنظم الفعاليات الفنية والنشاطات الخيرية فيه، وهذه انهارت كلها مثل جبل الجليد، بعد وضعها تحت الإقامة الجبرية. ولم تكن جلنار تخفي طموحها لوراثة والدها في الرئاسة بعد موته، وهو ما أكدته شقيقتها لولا لإذاعة “بي بي سي”، بقولها “إن هذه الرغبة الجامحة والمتعطشة للسلطة أدت إلى حصول انقسام داخل العائلة”. واعتبر محللون “شن جلنار هجوماً عنيفاً في “تويتر”، على مدير الاستخبارات روستام انوياتوف، واتهامه بالوقوف وراء حملة معادية لها، بهدف الاستحواذ على الكرسي الرئاسي في البلاد، دليلاً واضحاً على تخوفها من جموحه هو الآخر نحو السلطة”. وقالت في تغريدة في رد على سؤال عما إذا كان انوياتوف يسعى للرئاسة: “سيفعل، إنه سيقاتل بالفعل من أجل ذلك”.

إحدى أكثر التهم التي لاحقتها، جديةً، هي حصولها على رشوة من شركة الاتصالات السويدية – النروجية (تلياسونيرا)، قيمتها 300 مليون دولار عام 2008، مقابل تسهيل دخولها سوق الهاتف الجوال في أوزبكستان. وكانت الصحف السويدية اعتبرت هذه القضية أكبر فضيحة فساد شهدتها السويد في تاريخها، ومع ذلك تنكر الشركة تورطها في أي عمل غير قانوني في أوزبكستان، في حين تصر جلنار على أن انوياتوف هو من يقف وراء الحملات التي تواجهها في الوقت الراهن، وتسعى إلى تشويه سمعتها في بلادها والعالم. ورأى رئيس تحرير موقع “فرغانة” الرائد في آسيا الوسطى، دانيل كيسلوف، إن “جلنار تحاول الظهور كضحية، وإثبات أن مراكز قوى داخل السلطة كانت تتلاعب بوالدها”. وأضاف: “إن ما كان يشغل بال الديكتاتور هو كيف يسخر ابنته “بارونة المطاط” في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده”.

أكثر ما يهم السلطات الحاكمة الآن في اوزبكستان، هو الحصول على مبلغ ملياري دولار تعتقد أن جلنار تحتفظ بها في مصارف سويسرية، لم تتمكن من التصرف بها حتى هذه اللحظة، وهذا يفسر برأي المحلل في قضايا آسيا الوسطى آركادي دوبنوف، المرونة التي تتعامل بها الحكومة مع ابنة الديكتاتور السابق، التي تمتلك أرصدة تصل قيمتها بحسب مصادر رسمية إلى 800 مليون فرنك سويسري (مليار دولار)، جمدتها الحكومة السويدية بطلب من الولايات المتحدة. وكان المدعي العام السويسري أعلن أن هذه الثروة مصدرها رشاوى من شركات عالمية غربية وروسية. وقال إن 19 دولة في العالم تجري تحقيقات حول عمليات فساد وغسيل أموال أدارتها جلنار مع حاشيتها في هذه البلدان. وكانت وكالة “بلومبرغ” ذكرت أن الشركات المقصودة في حديث المدعي العام، هي “موبايل تيلي سيستمز بي جيه اس سي” التي مقرها روسيا وشركتا “فيون” و”تيليا كو ايه بي”. وأشارت إلى أن هذه الأموال دفعت كرشاوى، مقابل الحصول على امتيازات وتراخيص للعمل في أوزبكستان.

كان نظام حكم إسلام كريموفيتش واحداً من أهم الأنظمة السرية والغامضة في العالم لربع قرن من الزمان. كان كريموف متهماً بالتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، وفي السنوات الأخيرة من حياته وحكمه أصبح التركيز منصباً على عائلته، وظل مكان ابنته جلنار حتى ما قبل أيام مجهولاً، على رغم أنها كانت تُعتبر خليفة أبيها لسنين طويلة، فقد كانت شخصية عامة وأطلقت الكثير من العلامات التجارية في عالم الموضة والموسيقى، تحت اسم “جوجوشا”، حتى أنها قامت بأداء دويتو “الحب الغريب” مع الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو. وبرأي ديدري تينان – مدير مشروع آسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية “International Crisis Group”، إذا كان هناك نزاع بين جهات في الحكم والعائلة، فسوف يحرصون على أن يكون ذلك خلف الأبواب المغلقة، فالمخاطر قد تصبح مضاعفة إذا لم يستطيعوا الاتفاق على جبهة عامة موحدة”.

المحلل الاوزبكستاني في مؤسسة “المجتمع المفتوح” اليشر ايلكاموف، قال: “يمكن أن نرى بالتأكيد أن هناك إعادة توزيع للثروة في البلاد”، موضحاً أن “ما اكتسبته أسرة كريموف حتى الآن يمكن بسهولة أن يخضع للمصادرة من قبل القيادة الجديدة للبلاد؛ لأن الموارد في الوقت الحالي شحيحة، إلى درجة استثنائية جداً”.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق